
“الكتابة هي فن الاستعراض للأشخاص الخجولين“، هذا ما يقوله المؤلف الروائي لِي تشايلد. والتمكن من مهارة الكتابة في العمل يتعدى فرد العضلات، فبالإضافة إلى ترك انطباع جيد فإنَّ الكتابة من أهم وسائل التواصل في العمل، وأداة فعالة للأشخاص الذين يعانون من الخجل بشكل خاص.
تحدثنا في المقال السابق عن ٨ مهارات أساسية للعمل، وقد أثبتت الأبحاث أن ٧٣.٤٪ من الراغبين في التوظيف يبحثون عن أشخاص ذوي مهارة عالية في الكتابة. كما تأتي الكتابة كثالث مهارة مطلوبة في سوق العمل بعد مهارات القيادة وروح الفريق. وتتنوع وسائط الكتابة من الخطابات الرسمية، التقارير التقنية، والعقود ولكن يبقى البريد الإلكتروني والذي سيطر على مدى العقدين الماضيين كأسلوب للعمل هو الوسيلة الأكثر رواجاً. فالإحصائيات تشير إلى أن عدد الرسائل الإلكترونية التي تم إرسالها في العام ٢٠١٧ وصلت إلى ٢٦٩ مليار إيميل يومياً.
وبعيداً عن الإحصائيات فإن الكتابة للعمل لابد أن تنطوي تحت ثلاث ضوابط أساسية:
- اللباقة: إن الحواجز في التواصل الكتابي تتطلب بذل المزيد من اللطف، واللباقة مفهوم نسبي يختلف من بيئة عمل إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى، فالغرب على سبيل المثال يميل للرسائل المباشرة بينما يميل المجتمع الشرقي للمجاملات والأسلوب غير المباشر. وأفضل طريقة إذا كنت جديداً في العمل أن تلاحظ أسلوب من حولك أو تطلب من زملائك أو رئيسك مراجعة ما كتبت حتى لا تقع في الحرج.
- وضوح الرسالة: من المهم الإهتمام بإيصال المعنى المطلوب وذلك بإحتواء جميع التفاصيل المهمة دون الإسهاب المبالغ فيه. وفي حال أردت من المتلقي القيام بأمر ما فلابد أن يكون الطلب واضحاً مع تحديد الإطار الزمني للرد.
- سلامة اللغة: بالاضافة لمساهمتها في مدى وضوح الرسالة فإن سلامة اللغة من حيث القواعد والإملاء يسهم في ترك انطباع جيد للمتلقي بمدى مستواك التعليمي والثقافي أولاً، وبمدى اهتمامك وتركيزك عند الكتابة ثانياً. إذا كنت تكتب بلغتك الأم فإن مراجعة المادة قبل مشاركتها مع الآخرين سيجنِّبك الكثير من الأخطاء، أما إذا كنت تحتاج للكتابة بلغة أخرى فعليك أن تستثمر بعض الوقت للتدريب على قواعد وأسس تلك اللغة.
تلك هي أسس الكتابة ولكن ما هي الخطوات؟ إذا لم تكن تعرف كيف ومن أين تبدأ الكتابة فإنَّ الخرائط الذهنية Mind Maps هي الطريقة المثلى لتدوين أفكارك الأولية، الخطوة الثانية هي تحديد هيكل الموضوع وذلك بتحديد تسلسل المواضيع الرئيسية والفرعية، ومن ثم التفصيل في كتابة الموضوع. أما العنوان فيأتي أخيراً بحيث يعكس المحتوى بصورته النهائية.

خطوات الكتابة
وأخيراً، قم بمراجعة سريعة لما كتبت وتأكد بأن الموضوع يبدو متكاملاً للقارىء بحيث يجيب على الأسئلة الرئيسية: لماذا؟ ماذا؟ مَن؟ متى؟ وأين؟ ولا تنسَ تعزيز الكتابة بالأسلوب القصصي واستخدام الأمثلة، الصور، والرسوم التوضيحية.
تذكر أنَّ الكتابة السلسة تجعلك ككاتب تبدو أكثر ذكاءاً وتجعل من حُجتك أقوى وأقرب للإقناع.

قد تكون محظوظاً عند بداية رحلتك المهنية بوجود من يهتم بإعداد خطة لتطويرك الوظيفي سواءأً كان مسؤول أو مرشد أو جهة العمل ذاتها. غير أن الحال ليس كذلك دوماً، فبعد سنوات من العمل أدركت أنّه مهما زاد دور من حولك أو ندر، يبقى التطوير الوظيفي مسؤولية شخصية وأمر لابد أن تحمله على عاتقك كموظف.
تحدثنا في المقال السابق عن عقلية النماء وكيف لها أن تمهد لك طريق النجاح. فتحصيل التدريب المناسب من بداية دخولك لمجال العمل أمر أساسي، لأنك كلما ارتقيت في السلم الوظيفي أصبح من الصعب عليك الإنضمام للدورات التدريبية وورش العمل. ذلك لأن المؤسسة أو الشركة سوف تعطي الأولوية دوماً للموظفين الجدد كما أنك لن تجد الوقت الكافي للتدريب بعدما تحظى بمهام إدارية.
هناك ثلاث أنماط من المهارات في العمل:
- مهارات ذهنية متعلقة بالقدرة على تصور المشكلات ووضع حلول مناسبة لها.
- مهارات فنية أو تقنية تختص بمجال العمل كمعرفة المهندس بتفاصيل عمله.
- مهارات بشرية تتعلق بفهم سلوك الأفراد والتعامل مع الزملاء في العمل.
وغالباً ما ستهتم جهة العمل بتطوير الجانب التقني لديك. أما أنت فلديك مجموعة من المهارات الأساسية – والتي تعمل في مجموعها بزيادة فرصك للنجاح في أي وظيفة كنت – بما قد يتراءى للآخرين أنه محض صدفة. هذا ما يقوله سكوت آدمز مؤلف سلسلة ديلبرت الكرتونية التي تصف تحديات العمل بصورة ساخرة في كتابه “كيف تفشل في كل شيء تقريباً وتحقق رغم ذلك النجاح الباهر“.
وخلطة النجاح السحرية تتلخص في ٨ مهارات أساسية:
1. الكتابة Writing: إنّ قدرتك على الكتابة بحرفية بدءاً من كتابة إيميل إلى كتابة التقارير يعطي إنطباع جيد عنك ويبني جسور للتواصل مع الآخرين. والكتابة فن يضمن إيصال الرسالة بوضوح مع مراعاة قواعد اللغة واللباقة.
2. علم النفس Psychology: لا تخلو أي مهنة من التعامل مع الآخرين، لذا فإن فهم أنماط الشخصيات والسلوك ومبادئ لغة الجسد لابد وأن تمهد لك الطريق لكسر الحواجز وتحقيق ما تصبو إليه.
3. الخطابة Public Speaking: أو فن التحدث أمام الجمهور، ويشمل القدرة على التحدث بثقة وطلاقة وكذلك مهارات إعداد العروض التقديمية وتدريب الصوت على الإلقاء بحرفية.
4. المحاسبة Accounting: سواءاً كنت صديقاً للأرقام أو عدواً لها، لابد وأن تحتاج في مرحلة ما من عملك إلى الإطلاع على القوائم المالية ومراجعة الميزانيات. ليس المطلوب منك أن تكون خبيراً بالمحاسبة وإنما تحصيل الفهم الكافي لمواكبة مفردات الإدارة.
5. الحوار والإقناع Conversation and Persuation: كما أن الحوار الجيد ينتهي بالإقناع، فإنه يبدأ بالقدرة على الإستماع الجيد، والإستماع مهارة في حد ذاتها تحتاج لفهم عميق.
6. التكنولوجيا Technology: إن الإطلاع على التكنولوجيا الحديثة والقدرة على استخدام البرمجيات والأدوات الرائجة في نطاق الأعمال ستدفعك دائماً للأمام.
7. إدارة الوقت Time Management: إن إدارة الوقت بفعالية والقدرة على تنظيم العمل وتحديد الأولويات ترفع أدائك وتزيد من إنتاجيتك في العمل.
8. التصميم Design: ليس التصميم حكراً على الفنانين، فحياتنا اليومية مليئة بالتصميم. وقد أندهشت عند قراءتي لكتاب “التصميم لغير المصممين” أن التصميم له قواعد يمكن لأي شخص تعلمها. وفهم هذه القواعد سيساعدك على تقييم نتاج التصاميم في العمل سواءاً كان موقع إلكتروني، منتج جديد أو حتى عنصر إعلاني.
جميع هذه المهارات يمكنك تحصيلها من خلال نمطك التعليمي المفضل. يمكنك قراءة الكتب والمقالات أو الإنضمام لدورات تدريبية أو سؤال الخبراء بشكل مباشر. وفوق ذلك كله لابد من إكمال السلسلة التعليمية بممارسة ما تتعلمه أولاً ومن ثم تعليم الآخرين من حولك.
وسنقوم بالمدونات القادمة بشرح كل مهارة من هذه المهارات بالتفصيل.
جُل هذا الكتاب الذي قرأته قبل عام تقريباً يتمحور حول فكرة واحدة بيد أنها فكرة أساسية لها تأثيرها العميق على مختلف نواحي الحياة من دراسة وعمل وتربية. إن عقلية النماء growth mindset التي يشرحها الكتاب مبنية على أن الصفات والأمور الأساسية في الحياة يتم تحصيلها عن طريق بذل الجهد. وأن كل إنسان بوسعه أن يتغير أو يتطور من خلال التعلم والتجربة.
فمن لديهم عقلية نامية من الأشخاص يملكون موهبة خاصة في تحديد نقاط القوة والضعف لديهم. كما أن باستطاعتهم تحويل عقبات الحياة إلى نجاحات مستقبلية. وفي المقابل فإن أصحاب العقلية الثابتة fixed mindset يركزون على الظهور بصورة مثالية في اللحظة الآنية. وسلاحهم الرئيسي عبارة عن مزيج من – اللوم، الأعذار، وكبت النقد والمنافسين.
إن الصور النمطية stereotyping التي تنتشر في المجتمع تعمل بشكل كبير على تشتيت العقول (مثلاً، الفتيات أقل كفاءة في الرياضيات). عند طرح مثل هذه الصور النمطية السلبية فإننا نحكم على مجموعة من الناس بأنهم سيبقون دائماً في منزلة أدنى من غيرهم، وهذا النمط من التفكير يعكس عقلية ثابتة. كارول دويك لا تحذر في كتابها فقط من التصنيفات السلبية ولكن أيضاً من التصنيفات الإيجابية مثل (هذا الشخص ذكي). لأن هذه التصنيفات تتناقض مع المبادئ التي تشجع على التطور والتعلم. فبدلاً من الإشادة على سبيل المثال على الطلاب المتفوقين بالذكاء والتميز لابد للرسالة ان تركز على إطراء الجهد والمثابرة.
أما في مجال العمل فالرهان ببساطة ليس بتعيين أكثر المسؤولين مهارة ومن ثم كسر شوكتهم، ولكن البحث عن مسؤولين يجسّدون عقلية النماء: الرغبة في التعليم والتعلُّم، الإنفتاح لطرح واستقبال النقد، والقدرة على مواجهة العقبات والتغلب عليها.
تطرح المؤلفة مجموعة من الخطوات نحو تبني عقلية النماء في مجال العمل منها:
- كن أقل دفاعية عن أخطائك
- استفد من ملاحظات الآخرين ونقدهم
- إخلق فرص للتعلم الذاتي
- ركّز على مصالح الموظفين بدلاً من التركيز على سُلطاتك
- لا تحط من قدر الآخرين سعياً لتعزيز مكانتك
- لا تفرض القيود على الموظفين المتميزين خوفاً من تهديدهم لمنصبك
- فكر بطرق لتطوير الموظفين في نطاق العمل مثل التلمذة apprenticeships، الورش التدريبية workshops، أو جلسات التدريب coaching
- إخلق جو من التقييم الذاتي، التواصل المفتوح، وروح العمل
- تجنب التفكير الجماعي groupthink في صناعة القرار، فهذا النمط من التفكير يدفع بمجموعة من الأشخاص إلى اتخاذ قرارات غير صائبة فقط للوصول إلى نوع من الإنسجام أو التوافق بين أعضاء المجموعة
- إخلق فرص لتشجيع وجهات النظر البديلة والنقد البناء
- قم بتكليف أحد أعضاء الفريق للعب دور المعارض devil’s advocate
الإيمان بمبدأ النماء هو خطوة أولى على سلم النجاح في العمل وفي الحياة بصورة عامة. وفي المدونات القادمة بإذن الله سنبدأ بطرح سلسلة حول المهارات الأساسية في العمل وكيفية تطويرها.
تقييم الكتاب: 5/4 (لم أتمكن من الحصول على نسخة مترجمة للغة العربية)
مصادر وقراءات إضافية: كارول دويك: قوة الإيمان بقدرتك على التحسن

يقول الفيلسوف جون ألبرت أن الإنسان الناجح يذهب إلى عمله وكأنه ذاهب إلى موعد غرامي. وفي كلام الفيلسوف الكثير من المبالغة ولكن المهم فعلاً أن يكون لكل موظف حافزٌ ما يدفعه للإستيقاظ كل صباح غير التوقيع للحضور والإنصراف. وحتى يشعر الموظف بالإنتماء لمكان العمل لابد من بناء جسور للتوافق والإنسجام بين فريق العمل. في هذا المقال سنناقش كيف نحفز الموظفين ونطور العلاقة بشكل عام مع زملاء العمل بناءاَ على القيم والدوافع الداخلية.
أغلبنا يعرف الحوافز العامة في مجال العمل مثل التطور الوظيفي، العلاوات، التقدير وما إلى ذلك من أطر أساسية لتشجيع الموظفين. ولكن يمكننا إضافة بُعد آخر للتحفيز يراعي خصوصية الفرد. فمقاس واحد لا يناسب الجميع، ولكل شخص من حولنا مفتاح يجعله ينتج بشكل أفضل ودورنا أن نتعرف على هذا المفتاح.
هناك سبع دوافع رئيسة تتحكم في سلوكيات الأفراد بالعمل. وكل واحد منا لديه مزيج من دافع أو أثنين ينعكسان على شخصيته بشكل واضح*:
- الحقائق Truth: يهتم هؤلاء الأشخاص بمعرفة الإجابات الصحيحة. ما هي حقيقة الأمور وما هي الطريقة المثلى لعمل شيء ما.
- النتائج Results: هؤلاء أشخاص عمليون، يهتمون بعوائد الإستثمار ROI. كما يركزون على إنفاق أموالهم ووقتهم بحكمة.
- القوة Power: يركز هؤلاء الأشخاص على دورهم في بيئة العمل، وما هي الصلاحيات والمسؤوليات التي يمتلكونها. فالأنا عندهم تلعب دور هام.
- المساعدة Assistance: يحب هؤلاء الأشخاص مساعدة الآخرين. ويحاولون دائماً معرفة احتياجات الآخرين ومساعدتهم.
- النموذج Form: هذا النمط من الأشخاص يرون الأمور من منظور خبرتهم الذاتية. فأي أمر يتعلق بنطاق خبرتهم لابد أن يكون إيجابي.
- الهيكل Structure: يسعى هؤلاء الأشخاص لإيجاد طريقة منهجية من السهل تكرارها، بحيث يمكن دائماً الوصول الى نتائج مماثلة عند إتباع التعليمات الأساسية.
- العلاقات Relationship: يحتاج هؤلاء الأشخاص لبناء علاقات كثيرة في مجال العمل سواء مع الأشخاص أو المؤسسات الآخرى، ومحاولة بناء شبكة واسعة من المعارف. غالباً ما يكون ذلك وسيلة للحصول على القوة.
السؤال الآن هو كيف لنا أن نتعلم دوافع الأشخاص المحيطين بنا؟ يمكننا تعلم ذلك من خلال الانصات إليهم. والسؤال السحري هو “لماذا؟”. فعندما نسألهم لماذا تصرفوا بطريقة معينة أو قاموا باختيارٍ ما ستتضح لنا دوافعهم الداخلية. فعلى سبيل المثال، إذا كنت بصدد تغيير أحد اجراءات العمل وسألت فريقك “لماذا نحتاج هذا التغيير؟” قد يجيب أحدهم أننا نحتاج لتنظيم العمل بشكل منهجي في حين يجيب الآخر نحتاج إلى الوصول إلى نتائج بشكل أسرع. الأول يهتم بـ”الهيكل” فهو الدافع الرئيسي له أما الآخر يهتم بـ”النتائج”. لاحظ أن وجهات النظر تختلف بإختلاف الدوافع.
أخيراً وقبل أن تبحث في مكنونات الآخرين، حاول التعرف على ذاتك، ما هي الأمور التي تحفزك في مجال العمل؟ أسأل نفسك لماذا؟ وبعد أن تتمكن من تمييز عوامل التحفيز لديك، حاول التسويق لها بحيث يسهل للمحيطين بك فهمك بشكل أفضل.
* العوامل الست الأولى مقتبسة من إيد موزيو Six Hidden Factors of Motivation:

إن رحلة ريادة الأعمال غالباً ما تبدأ بالشغف. وهكذا بدأت محاولاتي قبل عامين تقريباً للدخول في مجال صناعة الأزياء الذي يستهويني من الصغر. مررت خلال رحلتي من فكرة إلى أخرى. فبعد انضمامي لدورات تدريبة لتصميم الأزياء لإطلاق إسم جديد لفساتين السهرات انتقلت إلى استكشاف عالم صناعة الأقمشة. تنازلت عن الفكرة الأولى بسبب كثرة المنافسين وعن الفكرة الثانية بعد ذلك بسبب صعوبة تحصيل التراخيص ورأس المال الكبير الذي يحتاجه المشروع. وهنا بدأت الفكرة الثالثة، والثالثة ثابتة كما يقولون.
المشروع الجديد تبلورت فكرته مع مدربتي مصممة الأزياء وخبيرة الأقمشة وهو عبارة عن مجموعة ملابس نسائية غير رسمية أو كاجوال وأهم ما يميز المجموعة هو أنها مصنوعة من أقمشة طبيعية معظمها من الكتَّان بحيث تتناسب مع أجوائنا الحارة وتحتفظ بالشكل الجمالي والرياضي في الوقت ذاته. تم إطلاق المجموعة في عرض أزياء مرسيدس بنز ٢٠١٦ الذي يعتبر من أبرز عروض الأزياء في منطقة الخليج.
كان حضوري لاستعدادات العرض خلف المسرح كالحلم الذي تحول إلى حقيقة. للمرة الأولى في حياتي شهدت الاستعدادات التي تسبق عروض الأزياء من تجهيز الفساتين وتزيين العارضات. لم أكن أتصور كمية التوتر والانفعال خلف أستار المسرح. تأخر وصول المجوهرات لإحدى المصممات أما الأخرى فكانت تبحث عن أحد الفساتين المفقودة. كل شيء كان يحصل بسرعة تثير الأعصاب. والسؤال المهم والأكثر إثارة للقلق هو “هل ستنال التصاميم على إعجاب الجمهور؟”.
أدركت هنا أن التحديات التي مررنا بها من صنع العلامة التجارية branding وبناء فريق العمل بل وحتى جمع رأس المال اللازم لا تقارن بمرحلة بناء المنتج، فهو الركيزة الأساسية للشركة. فالجهد الذي حملته مديرة الإنتاج على عاتقها بدأ منذ تصميم القماش ثم حياكته في المصنع وتجربته وبعدها مرحلة التصميم واختيار الألوان التي تتناسب مع الذوق المحلي. ومن ثم خياطة القطع لترتديها أخيراً عارضات الأزياء على المسرح. والجمهور هو الحكم هنا فالمنتج الناجح يحظى بإنطباع أوَّلي مثير.
كانت تلك البداية لمجموعة “أديمة” aadima أما الخطوة التالية فهي التسويق. وبناء استراتيجية فعالة للتسويق خطوة حاسمة لنجاح المشروع في خضَّم المنافسة الكبيرة في عالم صناعة الأزياء. وسنأخذكم معنا برحلة التسويق التي تقودها مديرة التسويق في مدوَّنات قادمة بإذن الله.

هل لاحظتم يوماً ما لعبة الفتيات المفضلة على الإنترنت؟ إنها لعبة إلكترونية عبارة عن صورة لدمية يمكن للفتاة أن تختار لون شعرها وملابسها والحذاء الذي ترتديه مع مجموعة من الإكسسورات التي يمكن الاختيار منها..
قبل أسابيع قرأت مقال في مجلة فوربس حول شركة شوز أوف بري Shoes of Prey. الشركة التي أنتجت مليون حذاء مصمم خصيصاً حسب الطلب لزبائنها. زرت الموقع بعد قراءة المقال لأقضي ساعات من غير أن أشعر وأنا أصمم حذائي الخاص عن طريق الواجهة التفاعلية في الموقع. الواجهة تسمح بالاختيار من بين كم مذهل من التصاميم العامة مروراً إلى تحديد الألوان والخام المستخدم وارتفاع الكعب، تماماً كلعبة الفتيات. هكذا بدأ تصفحي باللعب وانتهى بعملية شراء!
فكرة التخصيص موجودة منذ أزل بعيد وبخاصة في عالم الأزياء ولكن بشكل محدود. أما اليوم فإن التكنولوجيا الحديثة سمحت بتقديم نموذج الخصخصة على نطاق واسع. وذلك من ناحية الطلب عن طريق المواقع الإلكترونية ومن ناحية أخرى على خط الانتاج.
شركة شوز أوف بري بدأت كشركة صغيرة أسستها رائدة أعمال شابة تدعى جودي فوكس قبل سبع سنوات. الشركة برزت كنموذج رائد للصناعة حسب الطلب Mass Customization نرى من خلاله مستقبل جديد للبيع بالتجزئة. النموذج يبدو مثالي في عالم صناعة الإزياء من ملابس وأحذية وشنط واكسسورات. لا حاجة للمخازن، ولا حاجة لتخمين ذوق العميل. الزبون يدفع مقدماً لتصنيع طلبه المصمم حسب ذوقه الخاص، ليصل الطلب إليه عند باب منزله بعد أسبوعين أو ثلاث.
فوكس واجهت العديد من العقبات لتصل إلى هذا النموذج التجاري منها تكلفة الإنتاج والذي اضطرها لأن تبني مصانعها الخاصة بعد العديد من المحاولات لزيادة الفعالية. حتى الواجهة الالكترونية لم تخلُ من التحدي فقد احتاجت قُرابة السنة لتطويرها بحيث تكون سهلة الإستخدام وممتعة في الوقت نفسه.
أمّا اليوم ففوكس تؤمن بأن التطور التكنولوجي مثل العالم الإفتراضي Virtual Reality والتشغيل الآلي Automation ستضيف أبعاداً جديدة لهذا النوع من الصناعة.
ولننتقل من التكنولوجيا إلى الدراسات، فقد وجدت الأبحاث أن خصخصة التسوق الالكتروني والإنتاج حسب الطلب تزيد من الإحساس بالفائدة والمتعة لدى المستهلك مقارنة بالواجهات التقليدية للتسوق الإلكتروني.
ختاماً، وبعد ثلاث أسابيع استلمت منتجي الخاص. وأنا لحبي الشديد للتصميم ومزج الألوان سعيدة بحذائي الجديد ولكن جودته لا تقارن بما تنتجه دور الأزياء العريقة والشركات المتخصصة بصنع الأحذية الجاهزة.
أن تكمل قراءة كتاب يعني أنك مقتنع بمحتواه، أمَّا إذا قرأته مرة ومرتين وثلاث فهذا يعني أنك وقعت في غرامه. قوة العادات The Power of Habits للمؤلف تشارلز دويج من الكتب القليلة التي أعدت قراءتها أكثر من مرة ربما لأنني وجدت فيه تأثير مباشر في حياتي الشخصية بالتخلص من بعض العادات السلبية وأحببت تعزيز هذا التغيير وتطبيقه على أمور أخرى سواء في الحياة أو العمل.
الكتاب يتحدث عن سيكولوجية العادات وكيفية تغيير نمط السلوك السلبي وتحويله إلى سلوك إيجابي. مثال على ذلك استبدال عادة التدخين بالهرولة.
وجدت الدراسات التي يشير إليها الكتاب بأن٤٠٪ من تصرافاتنا اليومية ليست مبنية في حقيقة الأمر على قرارات بل تحكمها العادة فالمجتمع الذي نعيشة عبارة عن مجموعة هائلة من العادات. وسبب تكوين هذه العادات هو أن عقولنا دائماً ما تبحث عن طرق لتوفير الجهد. أمَّا الخبر الجيد فإن العادات يمكن تغييرها.
يشرح المؤلف حلقة العادات بأنها تبدأ من الرابط الذي تنطلق معه اشارات المخ للقيام بالروتين ومن ثم المكافأة والتي يفرز معها المخ أنزيمات تشعر الشخص بالراحة بشكل مؤقت. فالمثال بالشكل التوضيحي التالي يبين حلقة العادة لأحد الموظفين فقد ارتبط لديه وقت معين من ساعات الدوام (الرابط) بالذهاب إلى الكافيتريا لتناول الحلوى (الروتين) ليشعر بعدها بالرضا نتيجة اختلاطه ببقية الزملاء وتبادل أطراف الحديث (المكافأة).

حلقة العادات
وبما أن تلك العادات ترسم طريقها في المخ البشري فإن الحل كما يعرضه المؤلف يكمن في إستبدال العادات. ولكن المخيف أن استبدال العادات من الممكن أن ينهار في مواقف القلق الشديد، لذا فإن قوة الإيمان والثقة بالنفس أسس لا غنى عنها، كما أن الإنضمام لمجموعة أو رابطة تجمع الأشخاص الذين عانوا من نفس نمط الإدمان وتمكنوا من التخلص منه يساعد الشخص على الصمود عند التعرض للصدمات.
طريقة إستبدال العادات:
- الرغبة في التغيير.
- التعرف على الروتين وتحديد الرابط الذي يبدأ به هذا الروتين وكذلك تحديد المكافأة.
- البحث عن بديل مناسب للعادة بحيث تعطيك نمط مماثل للمكافأة (مثال: استخدام السواك بدل التدخين).
- تحديد الأهداف ووضع خطة (مثال: سأذهب إلى مكتب زميلي كل صباح لتجاذب أطراف الحديث لمدة عشر دقائق بدلاً من الذهاب للكافيتريا لتناول الحلوى).
- الثقة بأن لديك القدرة على التحكم بذاتك واستخدام البديل والإيمان بأنك المسؤول عن هذا التغيير.
العادات واستراتيجية التسويق:
إن مفهوم العادات لا ينطبق فقط على الحياة الشخصية بل إنه جزء أساسي من عملية التسويق وتطوير المنتج، فخبير التسويق ومؤلف كتاب “حياتي في الإعلان” My Life in Advertising هوبكنز عرّف مجموعة من القواعد تقوم على خلق عادات جديدة لدى المستهلكين.
هوبكنز يعتمد على خلق “رغبة ملحة” Craving تنطلق بها حلقة العادة ويركز في طريقته على قاعدتين أساسيتين: أولها هو إيجاد رابط بسيط وواضح، وثانيها هو تحديد المكافأة بشكل واضح.
من الأمثلة الجميلة التي طرحها الكتاب في هذا السياق منتج Febreze الذي طورته شركة بروكتر آند غامبل Procter & Gamble ، فبعد أن توصل أحد موظفيها إلى تركيبة كيميائية تقضي على جميع الروائح الكريهة فإن إدارة الشركة توقعت الوصول إلى أرباح أسطورية من بيع هذا المنتج، ولكن وبعكس جميع التوقعات فالمنتج فشل في أول تجربة تسويقية، وبعد تحليل ردود أفعال المستهلكين أكتشف الفريق أن السبب هو عدم وجود رابط واضح، فالناس تعتاد على الروائح الكريهة بعد فترة ولذلك قامت الشركة بإضافة روائح عطرية للمنتج وقامت بربطه من خلال الإعلانات بالروتين اليومي لتنظيف المنزل وبذلك تمكنت من تحقيق الأرباح المرجوة.
ترجمة الكتاب متوفرة من مكتبة جرير.
تقييم الكتاب: 5/5 (التقييم لا يشمل جودة ودقة الترجمة)